وجه كظيم / قصة ليلى عبدلاوي

اقتربت لحظة الغروب،قمم الجبال العاتية تردد صدى صوت آذان ينبعث من مسجد بعيد.
تململ الرجل في مكانه وهويهم بالقيام من أجل الوضوء،أوقد مصباحا خافتا،لم يتمكن من أن يضء جدران الحجرة المتهالكة ذات الشقوق العميقة واللون الذابل.
ساد سكون مطبق، يكسره نعيق غربان يسمع من بعيد وأصوات مبهمة ينبعث همسها من داخل الغرفة المغلقة.
تكومت البنات الست في زاوية الغرفة في شبه حلقة يتحاورن بصوت خافت، تفحصهن الأب مليا بنظرة شزراء وهو في طريقه إلى برميل خشبي يحفظ فيه الماء.
تتردد نظرات البنت الكبرى إلى الباب المغلق، القلق والخوف على والدتها ينهشان قلبها اليافع.
استغلت غياب الأب،اقتربت على رؤوس أصابعها،وضعت يدها على المزلاج لكنها لم تجرؤ على تحريكه لترى مابالداخل.
انفتح الباب فجأة،المرأة العجوز تلملم أطراف شعرها الأبيض بغطاء الرأس، تتصنع ابتسامة لا تخلو من حرج، تربت على كتف البنت الكبرى تطمئنها:
-لا تخافي يا ابنتي.

أمك بخير ولم يبق إلا القليل ويشرفنا المولود،وتعم الفرحة هذا البيت.اعتني بأخواتك لاتنسي أنك الكبرى! أنت امرأة الآن.
عاد الأب من الصلاة، يجر خطواته جرا، نظراته المليئة بالترقب تتنقل بين الباب المغلق والسقف الخشبي وهو يتمتم بأوراد ما بعد الصلاة.
اقتربت البنت من أبيها ترتجف أوصالها؛سألته إن كان يريد أن يتناول شيئا،زجرها كالعادة:
-ابتعدي عني،لا شهية عندي للأكل،تكفيني سحناتكن المقرفة.
تراجعت الفتاة إلى مكانها مرتجفة وقد امتقع لونها،تأملت همسات أخواتها الممزوجة بالخوف،اكتفت بالصمت.
يدوي صراخ مريع داخل الغرفة ممزوجا بنداءات المولدة،الأب ينظر إلى الأرض بإصرار.
الفتيات الست جامدات، أبصارهن شاخصة ترقب باب الغرفة.
علا صوت المولود يشق الأسماع.
انفتح الباب عن وجه المولدة، رآها الأب تعدل غطاء رأسها، وتحمل لفافة بيضاء،اقتربت منه قليلا وهي تتصنع رسم ابتسامة بين خدين يرتجفان:
-مبروك ،سيدي،قد رزقت بضيفة أنثى.
حدق فيها طويلا بعينين ملتهبتين، يتطاير منهما الشرر،غالب دمعتين حارتين، تأمل مليا البنات الستة في ركن الغرفة.
ساد صمت ثقيل قبل أن يشيح بوجهه عنهن،رأينه ينهض بسرعة قاصدا فناء البيت.توقف قليلا،شخصت عيناه المحمرتان على حبل غليظ معلق على الجدار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *